فصل: الحديث العشْرُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع عشر:

قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أَفْضَى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه، لَيْسَ دونهَا حجاب وَلَا ستر فقد وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء».
هَذَا الحَدِيث يرْوَى من طَرِيقين:
الأولَى: من حَدِيث يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهَا الشَّافِعِي، وَالْبَزَّار، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَاللَّفْظ لَهُ، وَالْبَيْهَقِيّ، وأعلت بِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: بالضعف بِسَبَب يزِيد بن عبد الْملك وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: تكلمُوا فِيهِ. قَالَ: وَسُئِلَ أَحْمد عَنهُ فَقَالَ: شيخ من أهل الْمَدِينَة، لَيْسَ بِهِ بَأْس.
قلت: وَكَذَا نَقله الْحَازِمِي عَنهُ، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ عَنهُ أَنه قَالَ: عِنْده مَنَاكِير وقَالَ يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى: مَا بِهِ بَأْس. وَقَالَ البُخَارِيّ: أَحَادِيثه شبه لَا شَيْء. وَضَعفه جدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ السَّاجِي: ضَعِيف، مُنكر الحَدِيث وَاخْتَلَطَ بِآخِرهِ. وَقَالَ الْبَزَّار: لين الحَدِيث. قَالَ: وَلَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي هُرَيْرَة بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. كَذَا قَالَ، وستعلم مَا يُخَالِفهُ.
الْوَجْه الثَّانِي: الِانْقِطَاع بَين النَّوْفَلِي وَسَعِيد المَقْبُري؛ فَإِنَّهُ ذكر عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: سقط بَينهمَا رجل، وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عبد الله بن نَافِع، عَن النَّوْفَلِي، عَن أبي مُوسَى الحنَّاط، عَن سعيد، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من جِهَة عبد الْعَزِيز بن مِقْلَاص عَن الشَّافِعِي بِهِ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: أَبُو مُوسَى هَذَا رجل مَجْهُول، وَعبد الله بن نَافِع هُوَ الصَّائِغ صَاحب مَالك، أَثْنَى عَلَيْهِ غير وَاحِد من الْعلمَاء، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَالْأَرْبَعَة، وَقَالَ أَحْمد: لم يكن يحفظ الحَدِيث، كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الرَّأْي.
قلت: فَظهر مِمَّا قَرَّرْنَاهُ رد هَذِه الطَّرِيقَة بالضعف والانقطاع، وَمَعَ تَقْدِير الِاتِّصَال فِيهَا جَهَالَة أَيْضا، لَكِن نقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة: إِن يزِيد بن عبد الْملك سمع من سعيد المَقْبُري، فتقوى بعض الْقُوَّة مَعَ تليين الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ يزِيد بن عبد الْملك، وشهرة الحَدِيث من طَرِيق عَن سعيد المَقْبُري بِغَيْر وَاسِطَة. لَا جرم قَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن جمَاعَة، فِي إِسْنَاده بعض الشَّيْء، لَكِن ذكر الْبَيْهَقِيّ لَهُ طرقًا فالتحق بِمَجْمُوع ذَلِك بِنَوْع الْحسن الَّذِي يحْتَج بِهِ.
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: وَعَلَيْهَا الِاعْتِمَاد، وَكَانَ يجب تَقْدِيمهَا، وَقد صححها غير وَاحِد من الْحفاظ مِنْهُم: أَبُو حَاتِم بن حبَان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه من حَدِيث أصبغ بن الْفرج، نَا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن يزِيد بن عبد الْملك وَنَافِع بن أبي نعيم الْقَارئ، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أَفْضَى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه، وَلَيْسَ بَينهمَا ستر وَلَا حجاب فَليَتَوَضَّأ».
ثمَّ قَالَ: احتجاجنا فِي هَذَا الْخَبَر بِنَافِع بن أبي نعيم دون يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي؛ لِأَن يزِيد بن عبد الْملك تبرأنا من عهدته فِي كتاب الضُّعَفَاء، وَقَالَ فِي كِتَابه وصف الصَّلَاة بِالسنةِ بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث صَحِيح سَنَده، عدُول نقلته. وَمِنْهُم الْحَاكِم أَبُو عبد الله؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث أصبغ- أَيْضا- نَا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، نَا نَافِع بن أبي نعيم، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وَشَاهده الحَدِيث الْمَشْهُور، عَن يزِيد بن عبد الْملك، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة- يَعْنِي الطَّرِيقَة الأولَى- وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ كَمَا أخرجه ابْن حبَان، وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن نَافِع إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم الْفَقِيه الْمصْرِيّ، وَلَا عَن عبد الرَّحْمَن إِلَّا أصبغ؛ تفرد بِهِ أَحْمد بن سعيد. وَأخرجه الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر من هَذِه الطَّرِيقَة ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَالح صَحِيح- إِن شَاءَ الله. قَالَ: وَقَالَ ابْن السكن: هَذَا الحَدِيث من أَجود مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب؛ لرِوَايَة ابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك لَهُ، عَن نَافِع بن أبي نعيم. قَالَ: وَأما يزِيد بن عبد الْملك فضعيف. قَالَ أَبُو عمر: وحَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا لَا يعرف إِلَّا بِيَزِيد بن عبد الْملك هَذَا، حَتَّى رَوَاهُ أصبغ بن الْفرج، عَن ابْن الْقَاسِم، عَن نَافِع بن أبي نعيم، وَيزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي جَمِيعًا، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة. وَأصبغ وَابْن الْقَاسِم ثقتان فقيهان، فصح الحَدِيث بِنَقْل الْعدْل عَن الْعدْل- عَلَى مَا ذكر ابْن السكن- إِلَّا أَن أَحْمد بن حَنْبَل لَا يرْضَى بِنَافِع بن أبي نعيم، أَي فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: يُؤْخَذ عَنهُ الْقُرْآن وَلَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث، وَخَالفهُ ابْن معِين فَقَالَ: هُوَ ثِقَة.
قلت: هُوَ أحد السَّبْعَة، وَوَثَّقَهُ مَعَ يَحْيَى أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فَقَالَ: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: مُسْتَقِيم الحَدِيث. وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَأخرج لَهُ فِي صَحِيحه كَمَا سلف؛ فَهَذِهِ الطَّرِيقَة مُحْتَج بهَا، وَإِن كَانَ فِيهَا بعض لين، وَقد شهد لَهَا هَؤُلَاءِ بِالصِّحَّةِ، وَإِن نَافِعًا تَابع النَّوْفَلِي وأسقطه الْحَاكِم- أَعنِي: النَّوْفَلِي- من رِوَايَته كَمَا سقته لَك، وَاقْتصر عَلَى رِوَايَة نَافِع، وَاسْتشْهدَ بِرِوَايَة النَّوْفَلِي.
ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ لم يفصح بإيراد الحَدِيث كَمَا ذكرته لَك، وَإِنَّمَا قَالَ: وَإِنَّمَا ينْتَقض الْوضُوء إِذا مس بِبَطن الْكَفّ، وَالْمرَاد بالكف: الرَّاحَة وبطون الْأَصَابِع. وَقَالَ أَحْمد: تنْتَقض الطَّهَارَة سَوَاء مس بِظهْر الْكَفّ أَو بِبَطْنِهَا. لنا الْأَخْبَار الْوَارِدَة، جَرَى فِي بَعْضهَا لفظ الْمس وَفِي بَعْضهَا لفظ «الْإِفْضَاء»، وَمَعْلُوم أَن المُرَاد مِنْهُمَا وَاحِد، والإفضاء فِي اللُّغَة: الْمس بِبَطن الْكَفّ هَذَا كَلَامه، فَذكرت حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْإِفْضَاء لإشارته إِلَيْهِ، وَأَشَارَ بِمَا ذكره أَيْضا، إِلَّا أَن الْإِفْضَاء مُبين مُقَيّد؛ فَيحمل الْمُطلق عَلَيْهِ. لَكِن فِيمَا نَقله عَن أهل اللُّغَة أَن الْإِفْضَاء: الْمس بِبَطن الْكَفّ فَقَط نظرا فقد قَالَ ابْن سَيّده: أَفْضَى فلَان إِلَى فلَان: وصل. والوصول أَعم من أَن يكون بِظَاهِر الْكَفّ أَو بَاطِنه تركنَا وَسلمنَا أَنه بِبَطن الْكَفّ؛ فالمسّ شَامِل للإفضاء وَغَيره، والإفضاء فردٌ من أَفْرَاده، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص عَلَى الْمَشْهُور فِي الْأُصُول، نعم؛ طَرِيق الِاسْتِدْلَال أَن يُقَال: مَفْهُوم الشَّرْط يدل عَلَى أَن غير الْإِفْضَاء لَا ينْقض؛ فَيكون تَخْصِيصًا لعُمُوم الْمَنْطُوق، وَتَخْصِيص الْعُمُوم بِالْمَفْهُومِ جَائِز.
وَادَّعَى ابْن حزم فِي محلاه: أَن قَول الشَّافِعِي إِن الْإِفْضَاء لَا يكون إِلَّا بِبَطن الْكَفّ؛ لَا دَلِيل عَلَيْهِ من قُرْآن وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع، وَلَا قَول صَاحب وَلَا قِيَاس ورأي صَحِيح، وَأَنه لَا يَصح فِي الْآثَار «من أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فرجه» وَلَو صَحَّ؛ فالإفضاء يكون بِظهْر الْكَفّ كَمَا يكون بِبَطْنِهَا.
قلت: قد صَحَّ لفظ الْإِفْضَاء- كَمَا قَرَّرْنَاهُ- وَعرفت طَرِيق الِاسْتِدْلَال، فقوي قَول الشَّافِعِي، وَللَّه الْحَمد.
ووَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ أَنه جَرَى في بعض الْأَخْبَار لفظ اللَّمْس وَهَذَا لم أره بعد الْبَحْث عَنهُ، والنسخ الْمُعْتَمدَة من الرَّافِعِيّ لَيْسَ فِيهَا هَذِه الزِّيَادَة.

.الحديث الخَامِس عشر:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ويل للَّذين يمسون فروجهم ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ! قَالَت عَائِشَة: بِأبي وَأمي؛ هَذَا للرِّجَال، أَفَرَأَيْت النِّسَاء؟! قَالَ: إِذا مست إحداكن فرجهَا فلتتوضأ للصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر بن حَفْص الْعمريّ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء، ثمَّ قَالَ: عبد الرَّحْمَن الْعمريّ: ضَعِيف. قلت: وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ فِي الضُّعَفَاء أَنه قَالَ إِنَّه مَتْرُوك. وَكَذَا قَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ وَأَبُو زرْعَة.
قلت: وَقد صَحَّ هَذَا من قَوْلهَا، قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: صحت الرِّوَايَة عَن عَائِشَة بنت الصّديق أَنَّهَا قَالَت: «إِذا مست الْمَرْأَة فرجهَا تَوَضَّأت» ثمَّ سَاق: من حَدِيث إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي، عَن عبيد الله بن عمر، وَمن حَدِيث الشَّافِعِي، عَن الْقَاسِم بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن عبيد الله بن عمر، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة: «إِذا مست الْمَرْأَة فرجهَا بِيَدِهَا فعلَيْهَا الْوضُوء» وَمن حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن عبيد الله بن عمر بِاللَّفْظِ الأول.
وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث أوردهُ الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَن حكم فرج الْمَرْأَة فِي الْمس حكم الذّكر، ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث بسرة السالف؛ فَإِنَّهُ فِي بعض رواياته «من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ» كَمَا أسلفناه عَن رِوَايَة ابْن حبَان، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فليعد الْوضُوء» كَمَا سلف أَيْضا.
ثمَّ قَالَ: لَو كَانَ المُرَاد مِنْهُ غسل الْيَدَيْنِ كَمَا قَالَ بعض النَّاس؛ لما قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «فليعد الْوضُوء» إِذْ الْإِعَادَة لَا تكون إِلَّا للْوُضُوء الَّذِي هُوَ للصَّلَاة، ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَن بسرة أَيْضا مَرْفُوعا: «من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة» وَفِي لفظ لَهُ: «إِذا مس أحدكُم فرجه فَليَتَوَضَّأ» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «من مس فرجه فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يتَوَضَّأ».
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه عَن الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن بسرة، وعَن مَرْوَان، عَن بسرة «أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بِالْوضُوءِ من مس الْفرج». وهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح. وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «إِذا مس الرجل ذكره فَليَتَوَضَّأ، وَإِذا مست الْمَرْأَة قبلهَا فلتتوضأ» رَوَاهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة، وَرِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن الْحِجَازِيِّينَ مستضعفة، كَمَا ستعلمه فِي بَاب الْغسْل- إِن شَاءَ الله تَعَالَى- وَفِي مُسْند أَحْمد بن حَنْبَل وسنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا رجل مسّ فرجه فَليَتَوَضَّأ، وَأَيّمَا امْرَأَة مست فرجهَا فلتتوضأ» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح كَمَا أسلفناه فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث بسرة، عَن البُخَارِيّ وَغَيره.

.الحديث السَّادِس عشر:

قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «من مس الْفرج الْوضُوء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بسرة بِنَحْوِهِ كَمَا سلف آنِفا بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح، والرافعي ذكره دَلِيلا لِلْقَوْلِ الْقَدِيم فِي النَّقْض بِمَسّ فرج الْبَهِيمَة فَقَالَ: لظَاهِر قَوْله: «من مس الْفرج الْوضُوء» وَقد سلفت لَك طرق حَدِيث بسرة وَأَنه فِي مس الذّكر أَو فِي مس فرجه، فَلَعَلَّ من رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَهَذَا سِيَاق رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ بِتَمَامِهَا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ:
«تَذَاكر هُوَ ومروان الْوضُوء من مس الْفرج، فَقَالَ مَرْوَان: حَدِيث بسرة بنت صَفْوَان أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بِالْوضُوءِ من مس الْفرج. فَكَأَن عُرْوَة لم يرجع لحديثه فَأرْسل مَرْوَان إِلَيْهَا شرطيًّا، فَرجع فَأخْبرهُم أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بِالْوضُوءِ من مس الْفرج».

.الحديث السَّابِع عشر:

رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مسّ زبيبة الْحسن أَو الْحُسَيْن عَلَيْهِمَا السَّلَام وَصَلى وَلم يُرو أَنه تَوَضَّأ».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي لَيْلَى الْأنْصَارِيّ قَالَ: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء الْحسن فَأقبل يتمرغ عَلَيْهِ فَرفع عَن قَمِيصه وقبل زبيبته».
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ: وَلَيْسَ فِيهِ أَنه مسّه بِيَدِهِ ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي أَحْكَام النّظر: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَيْنَاهُ فِي السّنَن الْكَبِير يَعْنِي للبيهقي عَن أبي لَيْلَى الْأنْصَارِيّ يتداوله بطُون من وَلَده، مِنْهُم من لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تنقيحه» إِنَّه ضَعِيف مُتَّفق عَلَى ضعفه. وَضَعفه أَيْضا فِي شَرحه وخلاصته.
ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن الرَّافِعِيّ تبع فِي رِوَايَة الحَدِيث الْحسن أَو الْحُسَيْن عَلَى التَّرَدُّد الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي وسيطه وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه، فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي نهايته، وَأَشَارَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط إِلَى الْإِنْكَار عَلَى الْغَزالِيّ، فَقَالَ بعد أَن عزا الحَدِيث للبيهقي: وَالصَّغِير فِيهِ هُوَ الْحسن المكبر. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي تنقيحه فَقَالَ: إِنَّه شكّ من الْغَزالِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ الْحسن- بِفَتْح الْحَاء- مكبر، وَقد علمت أَن هَذَا الشَّك سبقه إِلَيْهِ إِمَامه؛ فَلَا إِنْكَار عَلَيْهِ.
ثمَّ مكثت دهرًا أبحث عَن رِوَايَة الْحُسَيْن- مُصَغرًا- فظفرت بهَا- بِحَمْد الله وَمِنْه- فِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير صَرِيحًا، فصح حِينَئِذٍ مَا وَقع فِي هَذِه الْكتب؛ فَإِنَّهُ إِشَارَة إِلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: حَدثنَا الْحسن بن عَلّي الْفَسَوِي، ثَنَا خَالِد بن يزِيد، نَا جرير، عَن قَابُوس بن أبي ظبْيَان، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فرّج مَا بَين فَخذي الْحُسَيْن وَقبل زبيبته» وقابوس هَذَا قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
قلت: وَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث الْبَيْهَقِيّ دلَالَة عَلَى أَنه صَلَّى عقب ذَلِك؛ فَكيف يحسن استدلالهم بِهِ عَلَى عدم النَّقْض بِمَسّ فرج الصَّغِير؟! نعم؛ هُوَ دَلِيل عَلَى جَوَاز مسّه، وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ من وَرَاء حَائِل.
قَالَ الإِمَام فِي نهايته: مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَقْبِيل زبيبة الْحسن أَو الْحُسَيْن عَلَيْهِمَا السَّلَام مَحْمُول عَلَى جَرَيَان ذَلِك من وَرَاء ثوب، وَتَبعهُ الْغَزالِيّ فِي وسيطه فَتنبه لذَلِك.
فَائِدَة: الزبيبة- بِضَم الزَّاي، وَفتح الْبَاء تَصْغِير-: الزب، وَهُوَ الذّكر. وألحقت الْيَاء فِيهِ كَمَا ألحقت فِي عسيلة ودهينة قَالَه النَّوَوِيّ فِي تهذيبه وَذكر فِي الصِّحَاح لهَذِهِ اللَّفْظَة مَعَاني مِنْهَا اللِّحْيَة، وَلم يذكر فِيهَا الذّكر أصلا.

.الحديث الثَّامِن عشر:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ؛ أخرج مِنْهُ شَيْء أم لَا؟ فَلَا يخرجنَّ من الْمَسْجِد حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده. ورَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «إِذا كَانَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَوجدَ حَرَكَة فِي دبره، أحدث أَو لم يحدث فأشكل عَلَيْهِ، فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» زَاد أَبُو عبيد فِي كِتَابه الطّهُور: «أَو يرَى بللاً» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «إِذا كَانَ أحدكُم فِي الْمَسْجِد فَوجدَ ريحًا بَين أليتيه، فَلَا يخرج حَتَّى يسمع صَوتا، أَو يجد ريحًا» ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح.
قلت: وَمثله فِي الدّلَالَة حَدِيث عبد الله بن زيد «شكي إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة، قَالَ: لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا». وَهُوَ مِمَّا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى إِخْرَاجه، وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ أَن عبد الله بن زيد هُوَ الشاكي، وَفِي رِوَايَة لَهُ لَا يَنْفَتِل أَو لَا ينْصَرف.

.الحديث التَّاسِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الشَّيْطَان ليَأْتِي أحدكُم فينفخ بَين أليتيه وَيَقُول: أحدثت أحدثت؛ فَلَا ينصرفن حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه؛ فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك بِقصَّة، وَقَالَ: إِن الشَّافِعِي اسْتدلَّ بِهِ. وَذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي حاويه فِي الصَّلَاة وَفِي الشَّك فِي الطَّلَاق وقَالَ الْفَقِيه نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي مطلبه: لم أظفر بِهِ.
قلت: قد ذكره نَاصِر مذْهبه عَنهُ أَعنِي الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ فِي بَاب الشَّك فِي الطَّلَاق: قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن الشَّيْطَان يَأْتِي أحدكُم فينفخ بَين أليتيه، فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» وَكَذَا هُوَ فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ فِي بَاب الشَّك فِي الطَّلَاق، وَقَالَ: «يشم» بدل «يجد»، وَقَالَ فِي بَاب عدَّة زَوْجَة الْمَفْقُود: وَقَالَ الشَّافِعِي: وَحَدِيث النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن الشَّيْطَان تفل عِنْد عجيزة أحدكُم حَتَّى يخيل إِلَيْهِ أَنه قد أحدث؛ فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» ثمَّ ذكر من حَدِيث عبد الله بن زيد السالف فِي الحَدِيث قبله بِلَفْظ: «إِن الشَّيْطَان ينفر عِنْد عجيزة أحدكُم حَتَّى يخيل إِلَيْهِ أَنه قد أحدث، فَلَا يتَوَضَّأ حَتَّى يجد ريحًا يعرفهُ أَو صَوتا يسمعهُ» قَالَ: وَقد مَضَى هَذَا فِي الحَدِيث الثَّابِت عَن عبد الله بن زيد دون ذكر الشَّيْطَان؛ أَي: فَإِن هَذِه الزِّيَادَة فِي سندها: ابْن لَهِيعَة.
قلت: وَنَحْوه حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَأنس، وَقد ذكرتهما فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط الْمُسَمَّى ب تذكرة الأخيار بِمَا فِي الْوَسِيط من الْأَخْبَار فَرَاجعهَا مِنْهُ.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الرَّد عَلَى مَالك فِي تفرقته بَين الشَّك فِي الصَّلَاة وخارجها مَا رَوَيْنَاهُ فِي الْخَبَر حجَّة عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُطلق.
قلت: لَكِن رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة توافقه فَإِنَّهَا مُقَيّدَة بِالصَّلَاةِ، فَاعْلَم ذَلِك.

.الحديث العشْرُونَ:

عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ «فِي الَّذِي لَهُ مَا للرِّجَال، وَمَا للنِّسَاء: يُورث من حَيْثُ يَبُول».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْكَلْبِيّ، عَن أبي صَالح، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن مولودٍ ولد لَهُ قبل وَذكر؛ من أَيْن يُورث؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُورث من حَيْثُ يَبُول».
وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف. أما الْكَلْبِيّ، وَهُوَ مُحَمَّد بن السَّائِب بن بشر الْكُوفِي فواه، وَقد نسبه إِلَى الْكَذِب: زَائِدَة، وَلَيْث، وَابْن معِين، وَجَمَاعَة. قَالَ ابْن حبَان: وضوح الْكَذِب فِيهِ أظهر من أَن يحْتَاج إِلَى الإغراق فِي وَصفه. وَرَوَى عَن أبي صَالح، عَن ابْن عَبَّاس التَّفْسِير، وَأَبُو صَالح لم ير ابْن عَبَّاس وَلَا سمع مِنْهُ، لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأَبُو صَالح هَذَا فَلَيْسَ بِأبي صَالح ذكْوَان السمان، الْمخْرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة؛ إِنَّمَا هُوَ: باذام- بباء مُوَحدَة ثمَّ ألف ثمَّ ذال مُعْجمَة ثمَّ ألف ثمَّ مِيم، وَيُقَال: بنُون بدلهَا-
مولَى أم هَانِئ بنت أبي طَالب الْكُوفِي، تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَترك ابْن مهْدي الرِّوَايَة عَنهُ، وَضَعفه البُخَارِيّ وَقَالَ س: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ فِي سنَنه الْكَبِير: ضَعِيف الحَدِيث.
قَالَ: وَقد رُوِيَ أَنه قَالَ فِي مَرضه: كل شَيْء حدثتكم بِهِ فَهُوَ كذب! وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: إِذا رَوَى عَنهُ الْكَلْبِيّ فَلَيْسَ بِشَيْء. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي الْوَهم والإِيهام: قد أخبر ابْن معِين عَن نَفسه بِأَنَّهُ مَتى قَالَ فِي رجل: لَيْسَ بِهِ بَأْس فَهُوَ عِنْده ثِقَة، وَضعف الْكَلْبِيّ لَا يَنْبَغِي أَن يُعْدي أَبَا صَالح، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يمس أَبُو صَالح بكذبة الْكَلْبِيّ عَلَيْهِ حَيْثُ حُكيَ عَنهُ أَنه قَالَ- أَعنِي أَن أَبَا صَالح قَالَ للكلبي-: كل مَا حدثتك عَن ابْن عَبَّاس كذب. فَهَذَا من كذب الْكَلْبِيّ عَلَيْهِ، وَهُوَ عِنْدهم كَذَّاب.
وَقَالَ ابْن عدي: عامّة مَا يرويهِ تَفْسِير. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: لم أر أحدا من أَصْحَابنَا تَركه. وَمَا سَمِعت أحدا من النَّاس يَقُول فِيهِ شَيْئا، وَقَالَ حبيب بن أبي ثَابت: كُنَّا نُسَمِّيه دُرُوغرن كَذَا نَقله عَنهُ الْمُنْذِرِيّ فِي موافقاته وَقَالَ: مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: الْكذَّاب. وَنقل غَيره عَنهُ: الدُروزن، وَفِي فاصل الرامَهُرْمُزِي: الدَّروزن- بلغَة فَارس-: الْكذَّاب. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: إِنَّه ضَعِيف جدًّا. فَأنْكر عَلَيْهِ هَذِه الْعبارَة ابْن الْقطَّان وَقَالَ: إِنَّمَا يُقَال مثلهَا فِي الْوَاقِدِيّ وَنَحْوه من المتروكين، فَأَما أَبُو صَالح هَذَا فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَد وَلَا من هَذَا النمط، وَلَا أَقُول: إِنَّه ثِقَة، وَلَكِنِّي أَقُول: إِنَّه لَيْسَ كَمَا توهمه هَذِه الْعبارَة؛ بل قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: سَمِعت يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان يَقُول: لم أر أحدا من أَصْحَابنَا تَركه، وَقد أسلفنا ذَلِك عَنهُ.
قلت: وَقد حسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثا من رِوَايَته عَن ابْن عَبَّاس فِي لعن زائرات الْقُبُور، لكنه غير جيد، كَمَا سَيَأْتِي- إِن شَاءَ الله تَعَالَى- فِي آخر الْجَنَائِز. عَلَى أَن عبد الْحق لم ينْفَرد بِهَذِهِ الْعبارَة الَّتِي قَالَهَا فِي أبي صَالح، فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب الْكسر بِالْمَاءِ: ضَعِيف؛ لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ فِي بَاب أصل الْقسَامَة: أَبُو صَالح، عَن ابْن عَبَّاس: ضَعِيف.
وَفِي هَذَا الحَدِيث وَرَاء هَذَا كُله عِلّة ثَالِثَة، وَهِي الِانْقِطَاع فِيمَا بَين أبي صَالح، وَابْن عَبَّاس كَمَا أسلفناه عَن ابْن حبَان وَلم يجْزم بِهِ الْمُنْذِرِيّ فِي اختصاره للسنن بل قَالَ قيل: إِنَّه لم يسمع مِنْهُ، ذكره فِي حَدِيث: لعن زائرات الْقُبُور.
فتلخص أَنه حَدِيث لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ، وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه قَالَ: وَرُوِيَ عَن عَلّي وَسَعِيد بن الْمسيب مثله، وَمَا أقصر ابْن الْجَوْزِيّ؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي مَوْضُوعَاته بِلَفْظ: «الْخُنْثَى يُورث من قبل مباله» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، وَقد اجْتمع فِيهِ كذابون: أَبُو صَالح، والكلبي، وَسليمَان بن عَمْرو النَّخعِيّ، قَالَ ابْن عدي: وَالْبَلَاء فِيهِ من الْكَلْبِيّ.
قلت: لَكِن نقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الحَدِيث، وَأَنه يُورث من حَيْثُ مباله؛ فيستغنى بِالْإِجْمَاع عَنهُ، وَللَّه الْحَمد.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا صَلَاة إِلَّا بِطَهَارَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر بلفظين:
أَحدهمَا: «لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور، وَلَا صَدَقَة من غُلُول».
ثَانِيهَا: بِلَفْظ: «إِلَّا بِطهُور» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث أصح شَيْء فِي الْبَاب وَأحسن.
وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الأول، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَوَقع فِي شرح التَّنْبِيه للمحب الطَّبَرِيّ أَنه من الْمُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ وهم، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شمر، عَن جَابر قَالَ:
قَالَ الشّعبِيّ: سَمِعت مَسْرُوق بن الأجدع يَقُول: قَالَت عَائِشَة: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَا تقبل صَلَاة إِلَّا بِطهُور وبالصلاة عَلّي». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عَمْرو بن شمر وَجَابِر ضعيفان. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أُسَامَة بن عُمَيْر بن عَامر الْهُذلِيّ وَالِد أبي الْمليح بِلَفْظ: «لَا يقبل الله صَدَقَة من غلُول، وَلَا صَلَاة بِغَيْر طهُور» وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ أَيْضا.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة؛ إِلَّا أَن الله أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَام».
هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ ابْن الصّلاح: إِنَّه رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس بِمَعْنَاهُ، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرُوِيَ مَوْقُوفا من قَوْله، وَالْمَوْقُوف أصح. وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَالنَّوَوِيّ: الصَّوَاب رِوَايَة الْوَقْف؛ زَاد النَّوَوِيّ: وَرِوَايَة الرّفْع ضَعِيفَة. هَذَا كَلَامهم، وَكَأَنَّهُم تبعوا الْبَيْهَقِيّ فِي ذَلِك؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمعرفَة بعد أَن أخرجه بِلَفْظ ابْن حبَان الْآتِي، وَسَنَده: رَفعه عَطاء فِي رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ، وَرَوَى عَنهُ مَوْقُوفا، وَالْمَوْقُوف أصح. انْتَهَى.
وتفطن أَيهَا النَّاظر لما أوردهُ لَك؛ فَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا، فرفعه من أوجه:
أَحدهَا: من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الطّواف حول الْبَيْت مثل الصَّلَاة، إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون فِيهِ؛ فَمن تكلم فَلَا يتكلمن إِلَّا بِخَير».
رَوَاهُ كَذَلِك التِّرْمِذِيّ فِي أَوَاخِر الْحَج من حَدِيث قُتَيْبَة، ثَنَا جرير، عَن عَطاء بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده فِي الْحَج، فِي بَاب الْكَلَام فِي الطّواف من حَدِيث مُوسَى بن عُثْمَان- وَلَعَلَّه ابْن أعين- عَن عَطاء بِهِ، لَكِن بِنَحْوِ لفظ حَدِيث فُضَيْل بن عِيَاض الْآتِي، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي كتاب الْحَج من حَدِيث عبد الصَّمد بن حسان، ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَطاء بِهِ. إِلَّا أَن لَفظه: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله قد أحل لكم فِيهِ الْكَلَام؛ فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير». وَبِهَذَا اللَّفْظ أخرجه ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِيهِ من حَدِيث الْحميدِي، نَا سُفْيَان، عَن عَطاء بِهِ؛ إِلَّا أَن لَفظه:
«إِن الطّواف بِالْبَيْتِ مثل الصَّلَاة، إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون؛ فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير».
وسُفْيَان الْمَذْكُور فِي هَذَا السَّنَد هُوَ ابْن عُيَيْنَة كَمَا نبّه عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه»، ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة فِي مُسْتَدْركه من وَجه آخر عَن عَطاء، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَجْه الْخَامِس، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث مُوسَى بن أعين عَن عَطاء بِهِ، وَلَفظه: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة، وَلَكِن الله أحلَّ لكم فِيهِ الْمنطق؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير». وَهَذِه الطَّرِيقَة أعلت بعطاء بن السَّائِب، وَهُوَ من الثِّقَات كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره وَإِن لُيِّنَ، لكنه اخْتَلَط؛ فَمن رَوَى عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط كَانَ صَحِيحا، وَمن رَوَى عَنهُ بعده فَلَا، كَمَا نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَغَيره من الْحفاظ.
قَالَ أَحْمد: سمع مِنْهُ قَدِيما: شُعْبَة، وَالثَّوْري، وَسمع مِنْهُ جرير، وخَالِد بن عبد الله، وَإِسْمَاعِيل، وَعلي بن عَاصِم، وَكَانَ يرفع عَن سعيد بن جُبَير أَشْيَاء لم يكن يرفعها.
وَقَالَ ابْن معِين: جَمِيع من رَوَى عَنهُ رَوَى فِي الِاخْتِلَاط إِلَّا شُعْبَة وسُفْيَان، وَقَالَ مرّة: اخْتَلَط؛ فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح، وَمَا سمع مِنْهُ جرير وَذَوِيهِ فَلَيْسَ من صَحِيح حَدِيث عَطاء، وَقد سمع مِنْهُ أَبُو عوَانَة فِي الْحَالين، وَلَا يحْتَج بِهِ. وَذكر التِّرْمِذِيّ حَدِيثا «فِي الْمَشْي فِي السَّعْي» من حَدِيث ابْن فُضَيْل عَن عَطاء، وَصَححهُ، وَقَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ: اسمعوا مِنْهُ حَدِيث أَبِيه فِي التَّسْبِيح. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: مَا سَمِعت أحدا يَقُول فِي عَطاء شَيْئا قطّ فِي حَدِيثه الْقَدِيم، وَمَا حدث عَنهُ شُعْبَة وسُفْيَان فَصَحِيح إِلَّا حديثين؛ كَانَ شُعْبَة يَقُول: سمعتهما بِآخِرهِ عَن زَاذَان، وَقَالَ شُعْبَة: نَا عَطاء، وَكَانَ نسيًّا وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة قديم، وَمن سمع مِنْهُ بِآخِرهِ فَهُوَ مُضْطَرب الحَدِيث مِنْهُم: هشيم، وخَالِد بن عبد الله. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: سمع مِنْهُ حَمَّاد بن زيد قبل أَن يتَغَيَّر. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم عَن حَمَّاد أَيْضا، وَخَالف الْعقيلِيّ فَقَالَ- عَلَى مَا نَقله ابْن الْقطَّان-: إِنَّه سمع مِنْهُ بعده.
قلت: وَقد حصلت الْفَائِدَة هُنَا بِرِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ الَّتِي رَوَاهَا الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن حزم فِي محلاه فِي كتاب الْأَقْضِيَة: سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط شُعْبَة وسُفْيَان وَحَمَّاد بن زيد والأكابر المعروفون. وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ: أَنه لَا يحْتَج من حَدِيثه إِلَّا بِمَا رَوَاهُ عَنهُ الأكابر: شُعْبَة، وَالثَّوْري، ووهيب، ونظراؤهم. لَا جرم قَالَ الْحَاكِم إِثْر رِوَايَته السالفة: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، قَالَ: وَقد أوقفهُ جمَاعَة. وَقَالَ ابْن عبد الْحق- فِيمَا رده عَلَى ابْن حزم فِي الْمُحَلَّى-: هَذَا حَدِيث ثَابت. وَأخرجه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي إلمامه وَقَالَ: أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث سُفْيَان، عَن عَطاء مَرْفُوعا هَكَذَا، وَقد رُوِيَ عَنهُ غير مَرْفُوع، وَعَطَاء هَذَا من الثِّقَات الَّذين تغير حفظهم أخيرًا واختلطوا. ثمَّ ذكر مقَالَة يَحْيَى بن معِين السالفة، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا من رِوَايَة سُفْيَان أَي: فصح الحَدِيث. وَكَذَا ذكر مثل ذَلِك فِي إِمَامه، وَقد أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من طَرِيق آخر عَن عَطاء، وَهُوَ طَرِيق فُضَيْل بن عِيَاض عَن عَطاء بِلَفْظ: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة، إِلَّا أَن الله أحل فِيهِ الْمنطق؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» وَقَالَ فِي ثقاته: عَطاء بن السَّائِب كَانَ قد اخْتَلَط بِآخِرهِ، وَلم يفحش خَطؤُهُ حَتَّى يسْتَحق أَن يسْلك بِهِ عَن مَسْلَك الْعُدُول؛ بعد تقدم صِحَة ثباته فِي الرِّوَايَات، رَوَى عَنهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة وَأهل الْعرَاق. وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته أَيْضا بِلَفْظ: «الطّواف صَلَاة إِلَّا أَن الله أحل لكم الْمنطق، فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير».
الْوَجْه الثَّانِي: من طَرِيق مُوسَى بن أعين، عَن لَيْث، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة، وَلَكِن الله أحل فِيهِ الْمنطق؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» رَوَاهُ كَذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، وأعلت بليث بن أبي سليم الْكُوفِي، وَقد اخْتَلَط أَيْضا بِآخِرهِ، وَقد بسطنا تَرْجَمته فِيمَا مَضَى فِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين من بَاب الْوضُوء، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: رجل صَالح صَدُوق استضعف، وَقد أخرج لَهُ مُسلم فِي المتابعات فَلَعَلَّ اجتماعه مَعَ عَطاء يُقَوي رفع الحَدِيث.
الْوَجْه الثَّالِث: من طَرِيق الباغندي، عَن عبد الله بن عمرَان، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وقَالَ: لم يصنع شَيْئا- يُرِيد الباغندي فِي رَفعه بِهَذِهِ الرِّوَايَة- فقد رَوَاهُ ابْن جريج وَأَبُو عوَانَة عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة مَوْقُوفا.
قلت: رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن ميسرَة رَوَاهَا النَّسَائِيّ من حَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد، نَا أَبُو عوَانَة، عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة؛ فأقلوا فِي الْكَلَام» لَكِن قد أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن ميسرَة مَرْفُوعا، رَوَاهَا من حَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل، نَا مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْحَارِثِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة؛ فأقلوا فِيهِ الْكَلَام».
وَهَذَا وَجه رَابِع: فَإِن ابْن ميسرَة سمع من طَاوس، وَهُوَ ثِقَة كَمَا شهد لَهُ بذلك أَحْمد وَجَمَاعَة، وَذكر الْبَيْهَقِيّ بعد هَذَا فِي بَاب الطّواف عَلَى الطَّهَارَة أَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة وَقفه فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة.
الْوَجْه الْخَامِس: وَهُوَ عَزِيز مُهِمّ يرحل إِلَيْهِ، لَيْسَ فِيهِ عَطاء بن السَّائِب وَلَا لَيْث، وَلم يظفر صَاحب الإِمام والْإِلْمَام بِهِ وَلَو ظفر بِهِ لما عدل عَنهُ؛ بل لم يظفر بِهِ أحد مِمَّن صنف فِي الْأَحْكَام فِيمَا علمت، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي أَوَائِل تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، عَن أبي عمر وَعُثْمَان بن أَحْمد السماك، ثَنَا الْحسن بن مكرم الْبَزَّاز، نَا يزِيد بن هَارُون، نَا الْقَاسِم بن أبي أَيُّوب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «قَالَ الله لنَبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: {طهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود} فالطواف قبل الصَّلَاة، وَقد قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: الطّواف بِمَنْزِلَة الصَّلَاة، إِلَّا أَن الله قد أحل فِيهِ الْمنطق؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا يعرف هَذَا الحَدِيث بعطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير. ثمَّ سَاقه من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَطاء، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس... فَذكره كَمَا تقدم إِلَى قَوْله: «فالطواف قبل الصَّلَاة» ثمَّ قَالَ: هَذَا متابع لنصف الْمَتْن، وَالنّصف الثَّانِي من حَدِيث الْقَاسِم بن أبي أَيُّوب، أخبرناه... فَذكره من حَدِيث فُضَيْل، عَن عَطاء، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا كَلَفْظِ ابْن حبَان السَّابِق.
وَذكر الْحَاكِم فِي المناقب من مُسْتَدْركه حَدِيثا فِي مَنَاقِب إِبْرَاهِيم من حَدِيث عَطاء عَن سعيد بن جُبَير، ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: وَحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَطاء فِي المتابع الَّذِي ذكره الْحَاكِم إِسْنَاده جيد؛ فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط كَمَا نَقله الْبَغَوِيّ فِي الجعديات عَن يَحْيَى بن معِين لَكِن رَأَيْت فِي آخر سُؤَالَات أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ لأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: دخل عَطاء بن السَّائِب الْبَصْرَة وَجلسَ فسماع أَيُّوب، وَحَمَّاد بن سَلمَة فِي الرحلة الأولَى صَحِيح، والرحلة الثَّانِيَة فِيهِ اخْتِلَاط فَيتَوَقَّف إِذا فِي ذَلِك.
وَأما الْمَوْقُوف فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمَا تقدم، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمر بن أَحْمد بن يزِيد عَن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَلما خرجه الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث مُوسَى بن أعين عَن عَطاء مَرْفُوعا، قَالَ: تَابعه سُفْيَان الثَّوْريّ، وَجَرِير بن عبد الحميد، وفضيل بن عِيَاض وَغَيرهم، عَن عَطاء مُسْندًا مُتَّصِلا، وَرَوَاهُ عبد الله بن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جرير، عَن عَطاء، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن طَاوس وَغَيره، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا، وَلَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عَطاء.
قلت: قد رَفعه غَيره كَمَا أسلفنا لَك. فتلخص مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَن جمَاعَة رَفَعُوهُ عَن عَطاء: جرير كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ والسفيانان كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَنْهُمَا، وفضيل كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، وَكَذَا الدَّارمِيّ فِي مُسْنده، وَابْن الْجَارُود فِي المُنْتَقَى.
وَلَيْث بن أبي سليم كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ. ومُوسَى بن أعين، كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته ومُوسَى بن عُثْمَان كَمَا سلف عَن الدَّارمِيّ إِن ثَبت أَنه غير ابْن أعين فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة اتَّفقُوا عَلَى رَفعه، وَوَقفه طَاوس، وَابْنه وَإِبْرَاهِيم فِي إِحْدَى روايتيه، فَحِينَئِذٍ يتَوَقَّف فِي إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْأَصَح وَقفه.
وَأما دَعْوَى النَّوَوِيّ ضعف رِوَايَة الرّفْع؛ فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاقه، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ رِوَايَة عَطاء المروية عَنهُ بعد الِاخْتِلَاط، وَقد قَالَ فِي شَرحه لمُسلم فِي الْكَلَام عَلَى الْخطْبَة: عَطاء بن السَّائِب تَابِعِيّ ثِقَة، اخْتَلَط فِي آخر عمره، قَالَ أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ: فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح السماع، وَمن سمع مِنْهُ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ مُضْطَرب الحَدِيث؛ فَمن السامعين أَولا: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَشعْبَة، وَمن السامعين آخرا: جرير، وخَالِد بن عبد الله، وَإِسْمَاعِيل، وَعلي بن عَاصِم، كَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: سمع مِنْهُ أَبُو عوَانَة فِي الْحَالين، فَلَا يحْتَج بحَديثه.
قلت: فَيلْزمهُ عَلَى هَذَا تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَطاء، كَمَا صَححهُ الْحَاكِم وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين.
قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق أُخْرَى فِي سنَن النَّسَائِيّ صَحِيحَة، أخرجهَا من حَدِيث طَاوس، عَن رجل أدْرك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
«الطّواف صَلَاة؛ فَإِذا طفتم فأقلوا الْكَلَام» وَجَمِيع رُوَاته ثِقَات؛ فَإِنَّهُ أخرجه عَن يُوسُف بن سعيد- وَهُوَ ثِقَة حَافظ كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ- عَن حجاج- وَهُوَ ابْن مُحَمَّد المصِّيصِي، كَمَا بَينه ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه وَهُوَ أحد الْحفاظ لَا يسْأَل عَنهُ، أخرج لَهُ السِّتَّة- عَن ابْن جريج- وَهُوَ أحد الْأَعْلَام. ثمَّ أخرجه عَن الْحَارِث بن مِسْكين، عَن ابْن وهب، عَن ابْن جريج، عَن الْحسن بن مُسلم- وَهُوَ ابْن ينَّاق- عَن طَاوس بِهِ. وَلَا يضر جَهَالَة الرجل الْمدْرك لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم والناقل عَنهُ؛ فَإِن الظَّاهِر صحبته، وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده عَن عبد الرَّزَّاق وروح قَالَا: ثَنَا ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي الْحسن بن مُسلم، عَن طَاوس... فَذكره ثمَّ قَالَ: وَلم يرفعهُ مُحَمَّد بن بكر. كَذَا وجدته.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من طَرِيق آخر مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر، وَهِي الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته كَمَا أسلفناه عَنهُ رَوَاهُ من حَدِيث حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان، عَن طَاوس قَالَ: قَالَ عبد الله بن عمر: «أقلوا الْكَلَام فِي الطّواف؛ فَإِنَّمَا أَنْتُم فِي الصَّلَاة».
وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث طَاوس، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة؛ فأقلوا فِيهِ من الْكَلَام» فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ عَلَى طَاوس؛ فَروِيَ عَنهُ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفًا، وَعَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وموقوفًا، قَالَ: وَقَول من قَالَ: عَن ابْن عمر أشبه.
وَهَذَا نمط آخر. وَقد اجْتمع- بِحَمْد الله وَمِنْه- فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث مهمات ونفائس لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره، ونسأل الله زِيَادَة فِي التَّوْفِيق.
قلت: وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي لَا شكّ فِيهَا وَلَا ريب عَلَى اشْتِرَاط الطَّهَارَة للطَّواف حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم كَمَا أسلفناه، وَحَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا وَقد حَاضَت: افعلي مَا يفعل الْحَاج غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ» وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وحديثها «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أول شَيْء بَدَأَ بِهِ حِين قدم مَكَّة أَنه تَوَضَّأ ثمَّ طَاف بِالْبَيْتِ» أودعاه أَيْضا فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه».